يرى الصحفي والأكاديمي محمد بازّي أنّ إسرائيل تواصل منذ ما يقارب عامين استهداف الصحفيين الفلسطينيين في غزة وقتلهم بشكل ممنهج، وكان آخر ذلك قتل ستة صحفيين ليلة الأحد بينما كانوا يحتمون بخيمة مخصصة للإعلاميين في مدينة غزة، بينهم مراسل الجزيرة الشاب أنس الشريف وفريقه.

ويؤكد بازّي أنّ إسرائيل تمضي في هذه السياسة بلا رادع، مستفيدة من الدعم العسكري والسياسي غير المشروط الذي تناله من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، إلى جانب صمت الإعلام الغربي الذي يفترض أنّه المدافع الأول عن حرية الصحافة.

يشرح تقرير الجارديان أنّ المؤسسات الإعلامية الغربية غالباً ما ترفع الصوت عندما يتعرض صحفيون في روسيا أو الصين أو إيران للمضايقات أو الاعتقال، لكنها تلوذ بالصمت عند سقوط زملائهم الفلسطينيين برصاص إسرائيل. هذا التناقض الفج يكشف ازدواجية المعايير التي يمارسها الإعلام الغربي، خصوصاً في الولايات المتحدة، حيث تُصنَّف حماية الصحفيين أولوية إذا كان المستهدَف غربياً، بينما يُتجاهَل الأمر إذا كان الضحية فلسطينياً.

القانون الدولي يضع الصحفيين تحت الحماية المدنية ويعتبر قتلهم جريمة حرب، لكن إحصاءات لجنة حماية الصحفيين تشير إلى مقتل 192 صحفياً منذ هجوم 7 أكتوبر 2023، بينهم 184 فلسطينياً على يد الجيش الإسرائيلي، مع وجود 26 حالة على الأقل تبيّن أنّها استهداف مباشر بسبب العمل الصحفي.
وتضيف دراسة لجامعة براون أنّ عدد الصحفيين القتلى في غزة تجاوز ما خسرته المهنة في الحرب الأهلية الأمريكية والحربين العالميتين وكوريا وفيتنام ويوغسلافيا وأفغانستان مجتمعة، ما يجعلها الكارثة الأكبر في تاريخ الصحافة.

يطرح بازّي تساؤلاً حول سبب غياب التضامن الدولي، في حين أنّ الصحفي الأمريكي إيفان جيرشكوفيتش الذي اعتقل في روسيا عام 2023 حظي بحملة تضامن واسعة من كبريات الصحف الأمريكية التي نشرت بيانات وافتتاحيات للمطالبة بحريته. أما الصحفيون الفلسطينيون فلا يحظون بالمعاملة نفسها، بل يواجهون الاتهامات والتشويه الذي يسبق غالباً استهدافهم جسدياً.

أنس الشريف مثال بارز لهذه السياسة. فقد تلقى تهديدات مباشرة من ضباط إسرائيليين منذ نوفمبر 2023 كي يوقف عمله، ثم قُصف منزل عائلته وقُتل والده المسن.
وبعد ذلك كثّفت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية حملات التشويه ضده ووصمته بـ"الإرهاب"، من دون أدلة. ومع أنّ منظمات حقوقية وصحفية، بينها الجزيرة نفسها، اعتبرت هذه الاتهامات محاولة لتبرير قتله، فإن الأصوات الغربية بقيت شبه غائبة.

اللافت أنّ لجنة حماية الصحفيين عبّرت عن قلق بالغ إزاء سلامة الشريف قبل أسابيع فقط من اغتياله، بعد أن أثارت تقاريره حول المجاعة في غزة ضجة كبيرة على منصات التواصل، إذ ظهر في أحد تقاريره وهو يبكي على الهواء بينما انهارت امرأة جائعة خلفه.
ورغم وضوح التهديدات، لم تتحرك المؤسسات الإعلامية الغربية كما فعلت في قضايا مشابهة.

يستعيد بازّي حادثة اغتيال شيرين أبو عاقلة عام 2022 كدليل إضافي على شعور إسرائيل بالإفلات من العقاب.
فالإدارة الأمريكية تجاهلت التحقيقات التي أثبتت أنّ جندياً إسرائيلياً قتل الصحفية الفلسطينية الأمريكية، ما عزز لدى قادة إسرائيل قناعة بأن قتل الصحفيين لن يترتب عليه أي ثمن سياسي.

ويشير التقرير إلى أنّ المؤسسات الغربية اكتفت بالمطالبة بفتح المجال لصحفيين أجانب لدخول غزة، معتبرة أن التغطية الحيادية لا تتحقق إلا بوجودهم.
لكن هذا الطرح يختزن نظرة استعمارية قديمة ترى في الصحفي الغربي وحده "الناقل الموضوعي للحقيقة"، متجاهلة شجاعة وكفاءة مئات الصحفيين الفلسطينيين الذين وثّقوا المأساة من الداخل ودفعوا حياتهم ثمناً لذلك.

يرى بازّي أنّ الحقيقة المرة تكمن في أنّ الإعلام الغربي يبني تغطيته الدولية غالباً على جهود "الصحفيين المحليين" أو "المساعدين" الذين ينجزون معظم العمل الميداني بلا تقدير أو ذكر.
وفي غياب المراسلين الأجانب عن غزة، برز الصحفيون الفلسطينيون كأصوات أساسية تنقل للعالم صورة ما يحدث، لكن إسرائيل تسعى إلى إسكات هذه الأصوات واحداً تلو الآخر.

ويخلص المقال إلى أنّ صمت الإعلام الغربي إزاء ما يجري في غزة ليس مجرد تقصير مهني، بل مشاركة غير مباشرة في استمرار هذه الجرائم.
فحرية الصحافة، كما يوضح بازّي، لا يمكن أن تكون امتيازاً خاصاً بالصحفيين الغربيين، بل حقاً كونياً يستحقه كل من يخاطر بحياته لنقل الحقيقة.

https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/aug/16/israel-gaza-war-journalists